المواطن البطل و”القوات المساعدة”

شارك الموضوع

أصداء المغرب : مولاي إسماعيل العلوي

هاهو سيناريو مأساة الطفل المغربي ريان يعود مجددا إلى الأذهان بعد وفاة الطفل حيدر في بئر بأفغانستان..

وبهذه المناسبة نتذكر ان المواطن المغربي كان هو “البطل” بلا منازع في تلك الملحمة الإنسانية التي فجرها طفلنا ريان على كوكبنا قبل ايام، واكتفت الدولة بدور “القوات المساعدة” فقط من حيث “الحضور” و”الإنجاز”، وتحية خاصة لرجال القوات المساعدة الذين واصلوا الليل بالنهار للحفاظ على الأمن وتوفير الظروف لرجال الانقاذ، أما الحكومة الموقرة فلم يظهر ناطقها الرسمي الا بعد 48 ساعة كاملة من الحدث ليدافع عن “إمكانيات” الدولة، مع تسجيل اختفاء المدعو عزيز أخنوش في ظروف غامضة ولم يسجل حضوره الا بعد نعي الطفل عبر بلاغ من الديوان الملكي، ليستمر في مسلسل الزيادة في ارباحه، والحرص الشديد على تلقيح المواطنين واعادة تربيتهم!

نتذكر اليوم ان سكان المعمور حينها قضوا أطول خمسة أيام في حياتهم، فملايين الأمهات ألحقن ريان بأسرهن، واهتمت شعوب الأرض بمصير ريان، وصاح الجميع، على اختلاف ألوانهم وألسنتهم: أنقذوا ريان، وهنا بيت القصيد ..

ها قد شد ريان أعين العالم، والكل كان على موعد مع ريان، ورُفِعت دعوات أهل الإيمان لربهم من مختلف الأديان، الا ثلة “مغيارة” هي من استكثرت على طفل صغير كل ذلك التعاطف والاهتمام الكبير!

الكل سعى  لركوب موجة ريان، اذ تسابقت صحافة الشوارع مع القنوات والفضائيات وكافة المواقع والمنصات، وتنافس المشاهير والشيوخ والدعاة في الميدان !… الكل يريد أن يحظى بحظه من المشاهدين وازدياد عدد المعجبين..!

ولا شك أن بعض الأشرار الانتهازيين كانوا أيضا هناك رفقة المتلذذين بترويج الشائعات، والمسترزقين بالعناوين الكاذبة والمثيرة، بل من حاول استغلال اسم ريان لسرقة المساعدات المادية من المحسنين !!

لقد كشفت عن كافة أنواع الأنفس يا ريان..!!

نعم كانوا لفيفا شتى من هنا وهناك، ولكل امرئ ما نوى، رأينا الأمهات بدموعهن، وعشاق الكاميرات بأنواعها من أمامها وخلفها، وشاهدنا المواطنين بتلقائيتهم، والأطفال بعفويتهم، والمتظاهرين بريائهم، والتافهين بسفاهتهم، وأصحاب الجرافات باستماتتهم، ورجال القوات المساعدة والدرك بانضباطهم وتفانيهم…

علمنا بوضوح من غاب عن هذه التظاهرة الانسانية، ومن أخطأ الموعد مع ريان؟!

كان رمز “رجال السياسة” هو الغائب الأكبر، فلا علاقة له بهموم “شعبه”، فهو مهتم فقط بالزيادة في “أرباحه” المتراكمة، كما لديه هاجس التخلص من مخزون اللقاح، ويتعامل مع المواطنين غير الملقحين كـ”مستخدمين” لديه، وذلك بتهديدهم بالاقتطاع من الأجرة ك”ضريبة على الحرية” في رفض التلقيح! وذلك في إطار “إعادة تربيتهم” كما صرح من قبل! وربما اختفى من المشهد لعلمه بأن رعاية سامية تشمل الأسرة وتشرف على العملية من كثب، لذلك لا يستحق الاهتمام، مركزين في هذه العجالة على فئتين اثنتين هما :  “رجال الإنقاذ” و”رجال الإعلام” من جهة والمواطنين من جهة أخرى..

 

فإذا كانت آمالنا بين معاول “رجال الانقاذ”، وأعصابنا بين أيدي “رجال الإعلام”، فإن المواطن المغربي قد سحب من هؤلاء المحترفين المدربين البساط وحصل على البطولة بلا منازع..!

فمع تناقل أنباء الطفل ريان هب المواطنون للمكان، وتبعهم “المرتزقة” مسرعين، واتخذ سراق “المحتوى” أوضاعهم على النت.. وملأ الفضوليون المكان.. ولنعد لرجال “الانقاذ”، فرغم الجهود الجبارة التي قاموا بها، فقد فشلوا المساكين في “إنقاذ” الطفل ريان، وإخراجه حيا أمام العالم، ولكنهم “نجحوا” في “انتشاله” ميتا اخيرا، وقل ما شئت حينها عن طبيعة المنطقة وتشكلها، وعن التربة ونوعها، والحفرة وضيقها، والعملية ودقتها !!

“رجال الإنقاذ” المدربون جيدا يجيدون التدخل في الظروف الاستثنائية، ويجمعون بخبرتهم بين أمرين لا يتوفران في المواطن العادي مهما اجتهد على ذاته وهما: السرعة والإتقان، ولكن في حادثة ريان رفع “رجال الإنقاذ” الراية البيضاء منذ الوهلة الأولى، حيث سلموا “مهمة” النقب قرب الثقب لسائق جرافة ابى لحماسته ان ينزل رغم التعب لينال شرف الانقاذ، ثم تسلم المشعل “عمي علي” ليرفض هو الآخر التوقف لحماسته حتى يصل للطفل ريان! واكتفت العناصر التي كونتها الدولة بمهمة “الانتظار” الطويل لعلهم يقومون اخيرا بـ”الإنقاذ”! معتمدين على عناصر غير منتمية ابدا لسلك الوقاية المدنيةّ! بصراحة، كانوا عاجزين عن التعامل مع تلك الحالة غير المسبوقة، حتى قال أحد الظرفاء المخلصين : لو كانوا “رجال إنقاذ” فعلا لأنقذوه في غضون خمس ساعات وليس انتشاله بعد خمسة أيام !

فعلا وصدقا لكل فرد منهم كل التحية والتقدير على جهده المبذول، فالحالة كانت فوق قدراتهم على التدخل، واللوم ليس عليهم، ولكنها مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى فوجب الاهتمام بهم وإعدادهم لمثل هذه الاحداث ..

أما “رجال الإعلام” فقد أخلفوا الموعد ايضا مع حدث غير مسبوق في المملكة، وظهر غيابهم الفظيع عن تغطية حدث شد أنظار العالم، وكان المواطن هناك أولا ، وهو من نقل الينا أول صورة واول من نشر الخبر، ولم نجد في المشهد عموما إلا صحافة الشارع، وملأ كل من هب ودب الهواء، وقام حاملو الهواتف بتغطية المأساة، ولم يستطع قطبنا الإعلامي العتيد أن “يملأ الهواء” بشكل مهني، وبصحفيين مدربين على التغطية المستمرة، كيف يعقل أن توقف قنوات خارجية برامجها وتركز على حفرة ريان، وتستمر قنوات القطب في برامجها وسهراتها مع تنبيه المشاهدين إن رغبوا في متابعة قصة ريان أن ينتقلوا إلى منصات التواصل الاجتماعي التابعة لها!!

كانت فرصة ذهبية للإعلام المغربي ليتصدر المشهد، ويكون هو المصدر الموثوق، وكانت فعلا فرصة نادرة ليصبح قبلة الوكالات والقنوات والمنصات العالمية، وإظهار ما لديه من إمكانيات، مع التفرد بالأخبار والصور والمعلومات الحصرية، و “يخدم الخبر” بالمعنيين من المتحدثين والخبراء والمسؤولين.. تنويرا للرأي العام العالمي المتعطش لمعرفة جديد ريان في كل لحظة وحين…ولكنه أفسح المجال واسعا للمواطنين، حيث ملأت “صحافة المواطن” الفراغ الفظيع للصحافة المهنية المسؤولة! واكتفت قناة القطب العمومي بزرع كاميرا امام الجب يظهر أمامها أحد “المراسلين” المرتبكين لبضع ثوان أو دقائق ثم يختفي !! أهكذا تتم تغطية الأحداث الكبيرة في مملكة عريقة لها تاريخ مجيد، واش ماتستاهلش احسن!؟

خلاصة القول: ملأ المواطنون المشهد في كل مستوياته، واحرزوا دور “البطولة”، فقد كانوا هم السباقين كالعادة، فكانت منهم “الجوقة” و”الفضوليون” و “المسعفون” و”المنقذون” و”الصحفيون”…! في حين التحق “المهنيون” من رجال الوقاية والاعلام، الذين ترعاهم الدولة، وكانوا فقط ك” قوات مساعدة”، اذ “المبادرة” بقيت في يد “المواطن” وتحية لكل المواطنين الذين كانوا في الموعد وتحية لرجال الدولة الاوفياء المخلصين..

وبكلمة، إذا كان حدث سقوط الطفل ريان استثنائيا، فقد احتاج فعلا إلى رجال استثنائيين، وإذا تفهمنا غياب رئيس الحكومة، لأنه لا يتوفر على مواصفات “رجل الدولة”، وبغيابه غابت الدولة، فإننا لن نتفهم عجز رجل الإنقاذ عن القيام بعملية الإنقاذ، وكذا عجز رجل الإعلام عن القيام بدور الإعلام، والعجيب الغريب أن يسلم رجل الإنقاذ دوره للمواطن المتطوع ! ويتخلى رجل الإعلام المحترف عن دوره لفائدة صحافة الشارع المنحرف ! فأن يترك “المحترف” دوره للمتطوع فذاك مؤشر على خلل ووضع مقلوب وجب تداركه وتصحيحه، وبه وجب الاعلام والسلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقا